في عالم الشعر العربي، يبرز شعر أبو العتاهية كواحد من أعمق التجارب التي جمعت بين الحكمة والزهد والتأمل في معاني الحياة. فهو شاعر استطاع أن يمزج البساطة بالعمق، والعاطفة بالعقل، ليصوغ من كلماته مرآةً للروح الإنسانية وما تعانيه من صراع بين الدنيا والآخرة. وفي هذا المقال، نستعرض باقة من أجمل أقوال وحكم ابو العتاهية التي تكشف عن فلسفته في الوجود، وتمنح القارئ لحظة تأمل في جوهر الزهد والمعرفة الحقيقية.
ارضَ بما قسمَ الإلهُ فإنّهُ قد قسّمَ الأرزاقَ لا تتبدّلُ واصبرْ على ضيقِ الزمانِ، فربّما أتتِ السعادةُ بعدَ حينٍ تُقبلُ
إلهي لا تعذبني فإني مقرٌّ بالذي قد كانَ مني وما لي حيلةٌ إلا رجائي وعفوكَ إنْ عفوتَ وحُسنُ ظني
يا ربَّ إنَّ ذنوبي لا عددَ لها ولستُ أحصي لها في العيشِ إحصاءَ لكنَّ عفوكَ لا يُحصى، فلو وُزِنَتْ ذنبي بعفوِكَ، ما طاشَتْ كفَّتاهُ سواءَ
مضى الأُلى كانوا لنا علمًا فصارَ من بعدِهمُ العِبَرُ يا أيها المغرورُ بالدُّنيا أما ترى كيفَ مضى البشرُ؟
ما أجهلَ الناسَ بالدنيا وقد غُرِروا يُعطَونَ منها قليلاً ثم يُفتقروا يُلهيهمُ المالُ حتى لا عقولَ لهمْ كأنهم في طريقِ اللهِ ما سُيّروا
ذهبتْ لذّاتُنا وبقيتْ ذنوبُ فيا ليتَ التُّقى كانَ النصيبُ ألا إنَّ الزمانَ وإنْ تسلَّى فما يرجعُ الشبابَ ولا المشيبُ
يا من بدنياهُ اشتغلْ وغَرَّهُ طولُ الأملْ الموتُ يأتي بغتةً والقبرُ صندوقُ العملْ
أين الملوكُ التي كانتْ مسلطنةً حتى سقاها بكأسِ الموتِ ساقيها كم من مدائنَ في الآفاقِ قد بَنَيتْ أمستْ خرابًا وأفنى الموتُ أهليها
ما كلُّ ما يتمنى المرءُ يُدرِكُهُ تجري الرياحُ بما لا تشتهي السفنُ كن قانعًا بالذي تأتيكَ ميسرةً فالعُمرُ يمضي، وما تبقى له ثمنُ
يا نفسُ ما لكِ عن صلاحِكِ غافلةٌ ولمِ الهوى من دونِ ربِّكِ حائلُهُ إنّ الحياةَ قصيرةٌ فاغتنمْ بها عملاً يُنيرُ غداً، وتصفو نائلُهُ
ترجو النجاةَ ولم تسلكْ مسالكَها إن السفينةَ لا تجري على اليَبَسِ اعمل لدارٍ غدًا رضوانُ خازنُها الجارُ أحمدُ والرحمنُ بانيها
لا تأمنِ الدهرَ إنَّ الدهرَ ذو غِيَرِ وما السرورُ به إلا إلى غِيَرِ كأنَّ أهلَ النعيمِ فيهِ ما نَعِموا أو أنَّهم ما جنوا من طيبهِ الثَّمرِ
ما أقبحَ الإنسانَ إن لم يَتَّعِظْ من ميتٍ قد كانَ بالأمسِ حيّا يُشيّعُ الناسُ كلَّ يومٍ فتىً كأنَّهم لا يَدرِكونَ المنِيّا
ألا إنما الدنيا غضارةُ أيكةٍ إذا اخضرّ منها جانبٌ جفّ جانبُ هي الدارُ دارُ الأذى والقذى ودارُ الفناءِ ودارُ العطبْ فلو نلتَ منها نعيمًا مقيمًا لما نلتَ إلا على كثبْ
أبكي على زمنٍ مضى في اللهو والغفلاتِ قد ضاعَ عمري بينَ نُقصاني وزلاتي يا نفسُ ويحكِ راجعي قبلَ الردى أملاً فالموتُ يأتي دونَ إنذارٍ ولا أوقاتِ
نفسي تنازعُني هواها دائمًا وأراها عن دربِ الهدى تميلُ فيا ربِّ قوِّ عزيمتي وثبّتِ الـ قلبَ كي لا يضلَّ أو يزولُ
ما أسعدَ المرءَ إنْ صفا قلبُهُ من غشِّ دنيا تُغرِي وتُعمي البصيرا لا تغتررْ بالمالِ أو جاهِ الورى فالعمرُ يمضي والمصيرُ قبورا
ما أطيبَ العيشَ لو أنَّ الفتى قَنِعَا ولم يطالعْ من الأيامِ ما صنعا إن الغنيَّ هو الراضي بعيشتهِ لا من يُعدُّ كثيرَ المالِ مُتّسِعا
يا من يُؤمِّلُ طولَ العيشِ في مَهَلٍ الموتُ يأتي بغتةً والقبرُ صندوقُ العملْ هيهاتَ يُغني عن الفتى أملٌ ما لم يكنْ في عملٍ يُرضي لهُ الأملُ

